الاثنين، 16 يناير 2012

خلف العربة


كنت في الحادية عشر ذات يوم بعيد .. وكنا نلهو في طريق العودة من المدرسة  .. نجتمع سوياً .. " نادية " " حسام " " هبة " وآخرين لا أذكر أسماءهم الآن .. نترك حقائبنا بجانب الطريق وننطلق .. نلعب الاستغماية .. نتسابق .. نتعارك .. تتحول أحذيتنا البيضاء من ماركة " باتا " إلى اللون الترابي .. كما تتحول وجوهنا إلى اللون الوردي الممزوج بعرق لذيذ حلو المذاق .. تنفك أزرار المرايل التحتية من الجري وربما تنقطع .. يغلبنا الحماس .. لا نريد العودة لمنازلنا أبداً .. ليت الشارع يصبح منزلنا .. أبي يعبر الطريق هناك .. أجري .. أختبئ خلف العربات .. هل رآني ؟ لا أظن .. لا يتصور أني مثل باقي الأطفال أستطيع اللعب واللهو .. هل مرّ ؟ لا أحد يسمعني .. أنتظر قليلاً حتى أتأكد من أنه مرّ بسلام ودون أن يراني .. توقفت عن التنفس .. توقفت عن الحياة .. مرت لحظات .. بل ساعات .. بدأت ركبتاي تؤلماني من وضع القرفصاء فوق الأرض .. إلى متى يجب أن أختبئ ؟ أين الرفاق ؟ فليخبرني أحد .. تنبهت فجأة على صوت حسام .. " مستخبية ليه ؟ إحنا ما بنلعبش أستغماية .. إحنا بنلعب كهربا .. ياللا قومي .. شد الكُبس .." وصاح بأعلى صوته في الجملة الأخيرة ..

وكأن مس شيطاني قد مسني عندما لمس كتفي .. انتفض جسدي كله .. ماذا لو رآنا أبي خلف العربة .. أكان ينقصني ذلك الأبله الصغير .. ترددت قليلاً قبل أن أهم بالوقوف .. أحسست بدوار شديد .. تلفت حولي في جميع الأنحاء لم أرَ أبي .. الحمد لله .. لم يرانا خلف العربة .. اتكأت على العربة ونهضت .. غير أني ما أن استقريت على قدمي حتى هتف بي حسام : إنتي متعورة .. إيه الدم ده ؟ وأشار إلى مؤخرتي .. التفت إليها لأرى مريلتي الزرقاء قد تحول لونها إلى اللون النبيتي الغامق .. شعرت بالخوف .. بل بالخجل .. لست أذكر بالتحديد .. ما أذكره أني فررت كفأر صغير تم افتضاح أمره فانهالت عليه الشباشب من كل جانب حتى انطلق يجري بلا هوادة ..
في اليوم التالي حاولت إقناع حسام بأن ما حدث بالأمس كان نتيجة مسمار جلست عليه بالخطأ فجرحني ! .. أعتقد أنه لم يقتنع بذلك التبرير .. ولكنه لم يتساءل عن سبب تواجد المسمار في ذلك المكان .. ولا عن ظروف وملابسات الحادث واكتفى بالصمت ولم يعلّق .. وإنما دعاني للعب في نهاية اليوم ونحن في طريق العودة .. لم أجب وأكتفيت بالصمت أيضاً ..

ولم نلعب ثانية في الطريق .. ثم افترقت بنا الطرق .. وأصبح لكل منا طريق ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق